فصل: سنة تسع وأربعين وثلاثمئة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: العبر في خبر من غبر (نسخة منقحة)



.سنة ثمان وأربعين وثلاثمئة:

فيها استنصرت الكلاب الروم على المسلمين، وظفروا بسريَّة فأسروها، وأسروا أميرها محمد بن ناصر الدولة بن حمدان، ثم أغاروا على الرُّها وحرّان، فقتلوا وسبوا، وأخذو حصن الهارونية وخرّبوه، وكرّوا على ديار بكر.
وفي هذه المدة، عمل الخطيب عبد الرحيم بن نباتة خطبه الجهاديات، يحرّض الإسلام على الغزاة.
وفيها توفي النجَّاد أبو بكر أحمد بن سليمان بن الحسن الفقه الحافظ، شيخ الحنابلة بالعراق، وصاحب التصانيف والسُّنن، سمع أبا داود السِّجستاني وطبقته، وكانت له حلقتان، حلقة للفتوى، وحلقة للإمام، وكان رأساً في الفقه، رأساً في الحديث.
قال أبو إسحاق الطبري: كان النجّاد يصوم الدّهر، ويفطر على رغيف ويترك منه لقمة، فإذا كان ليلة الجمعة، أكل تلك اللُّقم، وتصدق بالرغيف توفي في ذي الحجة، وله خمس وتسعون سنة رحمه الله تعالى.
وفيها الخلدي، أبو محمد بن جعفر بن محمد بن نصير البغدادي الخلدي الخوّاص الزاهد، شيخ الصوفية ومحدّثهم، سمع الحارث بن أبي أسامة، وعلي بن عبد العزيز البغوي وطبقتهما، وصحب الجنيد، وأبا الحسين النُّوري، وأبا العباس بن مسروق، وكان إليه المرجع في علم القوم، وتصانيفهم وحكاياتهم وحجّ ستاً وخمسين حجّة، وعاش خمسة وتسعين عاماً، توفي في رمضان.
وفيها عليّ بن محمد بن الزبير القرشي الكوفي المحدّث، أبو الحسن.
حدّث عن أبي عفّان، وإبراهيم بن عبد الله القصّار، وجماعة. وثّقة الخطيب، ومات في ذي القعدة، وله أربع وتسعون سنة.
وفيها أبو بكر محمد بن جعفر الأدمي، القارئ بالألحان، حدّث عن أحمد بن عبيد بن ناصح، وجماعة. وقيل إنه خلط قبل موته.

.سنة تسع وأربعين وثلاثمئة:

وفيها أوقع نجا، غلام سيف الدولة بالروم، فقتل وسبا وأسر، وفرح المسلمون.
وفيها تمت وقعة هائلة ببغداد، بين السُّنَّة والرافضة وقويت الرافضة ببني هاشم، وبمعز الدَّولة، وعطّلت الصلوات في الجوامع، ثم رأى معز الدولة المصلحة في القبض على جماعة من الهاشميين، فسكنت الفتنة.
وفيها حشد سيف الدَّولة، ودخل الروم، فأغار وقتل وسبي، فزحفت إليه جيوش الروم فعجز عن لقائهم فكر في ثلاثمائة وذهبت خزانته، وقتل جماعة من أمرائه، والله المستعان.
وفيها كان إسلام الترك، قال ابن الجوزي: أسلم من الترك مائتا ألف خركاه.
وفيها توفي أبو الحسين أحمد بن عثمان الأدمي العطشي ببغداد، في ربيع الآخر، وله أربع وتسعون سنة. روى عن العطاردي، وعباس الدُّوري، والكبار.
وفيها أبو الفوارس الصابوني، بن محمد بن حسين ابن السِّندي، الثّقة المعمَّر،، مسند ديار مصر، في شوال، وله مائة وخمس سنين. روى عن يونس بن عبد الأعلى، والمزني والكبار. وآخر من روى عنه ابن نظيف.
وفيها العلامة أبو الوليد، حسّان بن محمد القرشي الأموي النَّيسابوري الفقيه، شيخ الشافعية بخراسان، وصاحب ابن سريج،، صنّف التصانيف، وكان بصيراً بالحديث وعلله، خرّج كتاباً على صحيح مسلم، ورى عن محمد بن إبراهيم البوشنجي وطبقته، وهو صاحب وجهٍ في المذهب.
وقال فيه الحاكم: هو إمام أهل الحديث بخراسان، أزهد من رأيت من العلماء وأعبدهم، توفي في ربيع الأول، عن اثنتين وسبعين سنة.
وفيها أبو علي النيسابوري الحافظ الحسين بن علي بن يزيد النَّيسابوري، أحد الأعلام، في جمادى الأولى، نيسابور وله اثنتان وسبعون سنة.
قال الحاكم: هو واحد عصره، في الحفظ والإتقان والورع والمذاكرة والتصنيف، سمع إبراهيم بن أبي طالب وطبقته. وفي الرحلة، من النسائي، وأبي خليفة وطبقتهما، وكان في الحفظ، كان ابن عقدة يخضع لحفظه.
وفيها عبد الله بن إسحاق بن إبراهيم الخراساني، أبو محمد العدل، وكان إسحاق، ابن عم أبي القاسم البغوي، سمع أحمد بن ملاعب، ويحيى بن أبي طالب، وطبقتهما. قال الدّارقطني: ليِّن.
وفيها أبو طاهر بن أبي هاشم شيخ القرّاء بالعراق، وهو عبد الواحد ابن عمر بن محمد البغدادي، صاحب التصانيف، وتلميذ ابن مجاهد. روى عن محمد بن جعفر القتّات، وطائفة. ومات في شوال، عن سبعين سنة.
وفيها أبو أحمد العسّال القاضي، واسمه محمد بن أحمد بن إبراهيم، قاضي أصبهان. سمع محمد بن أسد المديني، وأبا بكر بن أبي عاصم، وطبقتهما. ورحل وجمع وصنّف، وكان من أئمة هذا الشأن.
قال أبو نعيم الحافظ: كان من كبار الحفاظ.
وقال ابن مندة: كتبت عن ألف شيخ، لم أر فيهم أتقن من أبي أحمد العسّال.
قلت: توفي في رمضان، وله نحو من ثمانين سنة، أو أكثر.
وفيها ابن علم الصفّار، أبو بكر محمد بن عبد الله بن عمرويه البغدادي، صاحب الجزء المشهور.
قال الخطيب: جميع ما عنده جزء، ولم أسمع أحداً يقول فيه. إلاّ خيراً.
قلت: سمع محمد بن إسحاق الصغّاني وغيره، ومات في شعبان، ويقال إنه جاوز المائة.

.سنة خمسين وثلاثمئة:

فيها بنى معزّ الدولة ببغداد، دار السلطنة، في غاية الحسن والكبر، غرم عليها ثلاثة عشر ألف ألف دينار وقد درست آثارها في حدود الستمئة، وبقي مكانها دحلة، يأوي إليها الوحش، وبعض أساسها موجود، فإنه حفر لها في الأساسات نيّفا وثلاثين ذراعاً.
وفيها تمت أخلوقة قبيحة، وهي أن أبا العباس عبد الله بن أبي الشوارب ولي قضاء القضاة، وركب بالخلع الحرير المحترمة، من دار معز الدَّولة بالدبادب والبوقات، وفي خدمته الأمراء، وشرط على نفسه بمكتوب أن يحمل في العام مائتي ألف درهم، إلى خزانة الدولة، وتألّم المطيع، وأبى أن لا يدخل عليه، وامتنع من تقليده، وضمّن آخر الحسبة، وآخر الشرطة.
وفيها توفي أبو حامد، أحمد بن علي بن الحسن بن حسنويه النيسابوري التاجر، سمع أبا عيسى المروزي، وأبا حاتم الرازي، وطبقتهما.
قال الحاكم: كان من المجتهدين في العبادة، ولو اقتصر على سماعه الصحيح، لكان أولى به، لكنه حدّث عن جماعة، أشهد بالله، أنه لم يسمع منهم.
وفيها أحمد بن كامل بن خلف بن شجرة، القاضي أبو بكر البغدادي، تلميذ محمد بن جرير وصاحب التصانيف في الفنون، ولي قضاء الكوفة، وحدّث عن محمد بن سعد العوفي، وطائفة. وعاش تسعين سنة، توفي في المحرم.
قال الدارقطني: ربما حدّث من حفظه، بما ليس في كتابه، أهلكه العجب، وكان يختار لنفسه، ولا يقلّد أحداً.
وقال ابن رزقويه: لم تر عيناي مثله.
وفيها أبو سهل القطّان، أحمد بن محمد بن عبد الله بن زياد البغدادي، المحدّث الأخباري الأديب، مسند وقته. روى عن العطاردي، ومحمد بن عبيد الله المنادي، وخلق. وفيه تشيُّع قليل، وكان يديم التهجّد والتلاوة والتعبُّد، وكان كثير الدعابة.
قال البرقاني: كرهوه لمزاح فيه، وهو صدوق، توفي في شعبان، وله إحدى وتسعون سنة.
وفيها أبو محمد الخطبي إسماعيل بن علي بن إسماعيل البغدادي، الأديب الأخباري، صاحب التصانيف. روى عن الحارث بن أبي أسامة، وطائفة وكان يرتجل الخطب، ولا يتقدّمه فيها أحد.
وفيها أبو علي الطبري، الحسن بن القاسم، شيخ الشافعية ببغداد، درّس الفقه بعد شيخه أبي علي بن أبي هريرة، وصنّف التصانيف، كالمحرر، والإفصاح، والعدّة، وهو صاحب وجه.
وفيها أبو جعفر بن برية الهاشمي خطيب جامع المنصور أبي جعفر، في صفر، وله سبع وثمانون سنة، وهو ذو قعدد في النسب في طبقة الواثق. روى عن العطاردي، وابن أبي الدنيا.
وفيها توفي خليفة الأندلس، وأول من تلقب بأمير المؤمنين من أمراء الأندلس، الناصر لدين الله، أبو المطرِّف عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله الأموي المرواني، وكانت دولته خمسين سنة، وقام بعده ولده المستنصر بالله، وكان كبير القدر كثير المحاسن، أنشأ مدينة الزهراء، وهي عديمة النظير في الحسن، غرم عليها من الأموال ما لا يحصى، ولما بلغه ضعف أحوال الخلافة بالعراق، ورأى أنه أمكن منهم، وأولى تلقّب بذلك.
وفيها القاضي أبو السائب، عتبة بن عبيد الله الهمذاني الشافعي الصوفي، تزهَّد أولاً، وصحب الكبار، ولقي الجنيد، ثم كتب الفقه والحديث والتفسير، وتوصَّل، وولي قضاء أذربيجان، ثم قضاء همذان، ثم سكن بغداد، ونوّه باسمه، إلى أن ولي قضاء القضاة، فكان أوّل من ولي قضاء القضاة من الشافعية.
وفيها فاتك المجنون، أبو شجاع الرومي، الإخشيذي، رفيق الأستاذ كافور، أجلّ أمراء الدولة، وكان كافور يخافه ويداريه، وقد مدحه المتنبي، فوصله فاتك بألف دينار.
وفيها مسند بخارى أبو بكر محمد بن أحمد بن خنب البغدادي الدِّهقان الفقيه المحدّث، في رجب، وله أربع وثمانون سنة. روى عن يحيى بن أبي طالب، وابن أبي الدنيا والكبار، واستوطن بخارى، وصار شيخ تلك الناحية.

.سنة إحدى وخمسين وثلاثمئة:

فيها نازل الدُّمستق لعنه الله مدينة عين زربة، في مئة ألف وستين ألفاً، فأخذها بالأمان، ثم نكث في آخر القصة، وقتل خلق لا يحصون، وأحرقها ومات أهلها في الطرقات جوعاً وعطشاً، إلا من نجا بأسوأ حال، وهدم حولها نحواً من خمسين حصناً، أخذ بعضها بالأمان رجع، فجاء سيف الدولة، فنزل على عين زربة، وأخذ يتلافى الأمر، ويلم شعثها، واعتقد أن الطاغية لا يعود، فدهمه الملعون، ونازل حلب بجيوشه، فلم يفوته سيف الدولة، ونجا في نفرٍ يسير، وكانت داره بظاهر حلب، فدخلها الدُّمستق، ونزل بها، واحتوى على ما فيها من الخزائن، وحاصر أهل حلب إلى أن انهدمت ثلمة من السور، فدخلت الروم منها، فدفعهم المسلمون وبنوها في الليل، ونزلت أعوان الوالي إلى بيوت العوام فنهبوها، فوقع الصائح في الأسوار: الحقوا منازلكم، فنزلت الناس حتى خلت الأسوار، فبادرت الروم وتسلقوا، وملكوا البلد، وبذلوا السيف حتى كلّوا وملّوا، واستباحوا حلب، ولم ينجح إلا من عد القلة.
وأما بغداد، فرفعت المنافقون رؤوسها، وقامت الدولة الرافضية، وكتبوا على أبواب المساجد: لعنة معاوية ولعنة من غصب فاطمة حقّها من فدك ولعنة من أخرج العباس من الشورى ولعنة من نفى أبا ذر، فمحته أهل السنَّة في الليل، فأمر معز الدَّولة بإعادته: فأشار عليه الوزير المهلَّبي، أن يكتب: ألا لعنة الله على الظالمين لآل محمد، ولعنة معاوية فقط.
وأسرت الروم من منبج، الأمير أبا فراس بن سعيد بن حمدان الأمير وبقي في أسرهم سنوات.
وفيها توفي أبو العباس أحمد بن إبراهيم بن جامع السكَّري بمصر، روى عن علي بن عبد العزيز البغوي، وطائفة.
وأبو بكر أحمد بن محمد بن أبي الموت المكّي. روى عن علي بن عبد العزيز البغوي، وأبي يزيد القراطيسي، وطائفة وعاش تسعين سنة.
وأحمد بن محمد، أبو الحسين النَّيسابوري، قاضي الحرمين، وشيخ الحنفية في عصره، ولي قضاء الحجاز مدّة، ثم قدم نيسابور، وولي القضاء بها، تفقّه على أبي الحسين الكرخي، وبرع في الفقه، وعاش سبعين سنة.
وروى عن أبي خليفة الجمحي، وكان القاضي أبو بكر الأبهري، شيخ المالكية، يقول: ما قدم علينا من الخراسانيين أفقه من ابن أبي الحسين.
وفيها أبو إسحاق الهجيمي، إبراهيم بن علي البصري في آخر السنة، وقد قارب المائة، روى عن جعفر بن محمد بن شاكر والكديمي، وطائفة.
وفيها المهلَّبي الوزير، في قول، وسيأتي في العام الآتي.
وفيها دعلج بن أحمد بن دعلج، أبو محمد السِّجزي المعدّل، وله نيف وتسعون سنة، رحل وطوف وأكثر، وسمع من هشام السِّيرافي، وعليّ البغوي، وطبقتهما.
قال الحاكم: أخذ عن ابن خزيمة مصنفاته، وكان يفتي بمذهبه. وقال الدَّارقطني: لم أر في مشايخنا، أثبت من دعلج. وقال الحاكم: يقال لم يكن في الدنيا أيسر منه، اشترى بمكة دار العباسيّة، بثلاثين ألف دينار، وقيل كان الذّهب في داره بالقفاف وكان كثير المعروف والصِّلات، توفي جمادى الآخرة.
وفيها أبو محمد عبد الله بن جعفر بن محمد بن الورد البغدادي بمصر، راوي السِّرة عن ابن البرقي في رمضان.
وفيها أبو الحسين عبد الباقي بن قانع بن مرزوق الحافظ ببغداد، في شوال، وله ست وثمانون سنة. سمع الحارث بن أبي أسامة، إبراهيم بن الهيثم البلدي وطبقتهما. وصنّف التصانيف.
قال الدَّارقطني: كان يخطئ ويصرّ على الخطأ.
وفيها الحبِّيني أبو أحمد علي بن محمد المروزي، سمع سعيد بن مسعود المروزي وطبقته. وكان صاحب حديث قال الحاكم: كان يكتب مثل السكر.
وفيها أبو بكر النقّاش، محمد بن الحسن بن محمد بن زياد الموصلي، ثم البغدادي المقرئ، صاحب التصانيف في التفسير والقراءات. روى عن أبي مسلم الكجِّي وطائفة، وقرأ على أصحاب ابن ذكوان والبزّي، ورحل ما بين مصر، إلى ما وراء النهر، وعاش خمساً وثمانين سنة، ومع جلالته في العلم ونبله، فهو ضعيف متروك الحديث.
وفيها أبو جعفر محمد بن علي بن دحيم الشَّيباني الكوفي، مسند الكوفة في زمانه، أو في العام الآتي.
روى عن إبراهيم بن عبد الله القصّار وأحمد بن أبي غرزة، وجماعة.
وفيها يحيى بن منصور القاضي أبو محمد النَّيسابوري، ولي قضاء نيسابور، بضع عشرة سنة، روى عن علي بن عبد العزيز البغويّ وأحمد بن سلمة، وطبقتهما.

.سنة اثنتين وخمسين وثلاثمئة:

فيها يوم عاشوراء، ألزم معز الدولة، أهل بغداد بالنَّوح والمآتم، على الحسين بن علي رضي الله عنه، وأمر بغلق الأسواق، وعلّقت عليها المسوح، ومنع الطباخين من عمل الأطعمة، وخرجت نساء الرافضة، منشّرات الشعور، مضخّمات الوجوه، يلطمن، ويفتنّ الناس، وهذا أول ما نيح عليه، اللهم ثبت علينا عقولنا.
وفيها عزل عن قضاء العراق، ابن أبي الشوارب، الذي ضمن القضاء، وولِّي عمر بن أكثر، على أن لا يأخذ جامكيّة.
وفيها قتل ملك الروم، وولى الملك: الدُّمستق، واسمه نقفور وفيها يوم ثامن عشر ذي الحجة، عملت الرّافضة عيد الغدير، غدير خمّ، ودقت الكوسات وصلّوا بالصحراء صلاة العيد.
وفيها، أو في التي قبلها، الوزير المهلَّبي، أبو محمّد الحسن بن محمد الأزدي، من ذريّة المهلّب بن أبي صفرة، وزير معز الدولة بن بويه، كان من رجال الدهر، حزماً وعزماً وسؤدداً، وعقلاً وشهامةً ورأياً، توفي في شعبان، وقد نيّف على الستين، وكان فاضلاً شاعراً فصيحاً حليماً جواداً، صادر معز الدولة أولاده من بعده ثم استوزر أبا الفضل العباس بن الحسن الشرازي.
وفيها أبو القاسم خالد بن سعد الحافظ، أحد أركان الحديث بالأندلس، سمع بعد سنة ثلاثمئة، من جماعة، وصنّف التصانيف، وكان عجباً في معرفة الرجال والعلل، وقيل: كان يحفظ الشيء من مرّة. وورد أن المستنصر بالله الحكم قال: إذا فاخرنا أهل المشرق، بيحيى بن معين فاخرناهم بخالد بن سعد.
وفيها أبو بكر الإسكافي، محمد بن محمد بن أحمد بن مالك، ببغداد، في ذي القعدة، روى عن موسى بن سهل الوشّاء وجماعة، وله جزء مشهور وفيها علي بن أحمد بن أبي قيس البغدادي الرقا أبو الحسن روى عن زوج أمه، أبي بكر بن أبي الدِّنيا، وهو ضعيف جدّاً.

.سنة ثلاث وخمسين وثلاثمئة:

فيها نازل الدُّمستق المصيِّصة وحاصرها وغلت الأسعار بها، ثم ترحّل عنها للغلاء الذي أصاب جيشه، ثم جاء إلى طرسوس، وأهدى تقادم إلى سيف الدولة.
وفيها تحارب معزّ الدولة، وأمير الموصل، ناصر الدولة، وانهزم أوّلاً ناصر الدولة، ثم انتصر، وأخذ حواصل معز الدولة وثقله، أسر عدة من الأتراك.
وفيها توفي الحافظ البارع، أبو سعيد أحمد بن محمد بن الزاهد أبي عثمان سعيد بن إسماعيل الحيريّ النَّيسابوري، شهيداً بطرسوس، وله خمس وستون سنة، روى عن الحسن بن سفيان وطبقته، وصنّف التفسير الكبير، والصحيح على رسم مسلم، وغيره ذلك وفيها أبو إسحاق بن حمزة الحافظ، وهو إبراهيم بن محمد بن حمزة ابن عمارة، بأصبهان، في رمضان، وهو في عشر الثمانين.
قال أبو نعيم: لم ير بعد عبد الله بن مظاهر في الحفظ مثله، جمع الشيوخ والمسند وقال أب عبد الله بن منده الحافظ لم أر أحفظ منه.
وقال ابن عقدة: قلّ من رأيت مثله.
قلت: روى عن مطيّن وأبي شعيب الحراّني.
وفيها أبو عيسى بكّار بن أحمد البغدادي، شيخ المقرئين في زمانه،
قرأ على جماعة من أصحاب الدُّوري، وسمع من عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل، وتوفي في ربيع الأوّل، وقد قارب الثمانين.
وفيها جعفر بن محمد بن الحكم الواسطي المؤدِّب، روى عن الكديمي وطبقته.
وفيها أبو علي بن السَّكن، الحافظ سعيد بن عثمان بن سعيد بن السَّكن المصري، صاحب التصانيف، وأحد الأئمة، سمع بالعراق والشام والجزيرة وخراسان وما وراء النهر، من أبي القاسم البغوي وطبقته، توفي في المحرم، وله تسع وخمسون سنة.
وفيها أبو الفوارس شجاع بن جعفر الورّاق الواعظ ببغداد، وقد قارب المئة، روى عن العطاردي، وأبي جعفر بن المنادي وطائفة، وكان أسند من بقي.
وفيها أبو محمد عبد الله بن الحسن بن بندار المديني الأصبهاني، سمع أسيد بن عاصم، ومحمد بن إسماعيل الصائغ، وجماعة.
وفيها أبو محمد الفاكهي، عبد الله بن محمد بن العباس المكي، صاحب أبي يحيى بن أبي مسرّة، وكان أسند من بقي بمكة.
وفيها أبو القاسم علي بن يعقوب بن أبي العقب الدمشقي، المحدّث المقرئ، روى عن أبي زرعة الدمشقي، توفي في ذي الحجة، عن ثلاث وتسعين سنة.
وفيها أبو علي محمد بن هارون بن شعيب الأنصاري الدمشقي الحافظ، أحد الرحالة، سمع بالشام ومصر والعراق وأصبهان. وروى عن بكر بن سهل الدمياطي، وأحمد بن محمد بن يحيى بن حمزة، وطبقتهما.
قال عبد العزيز الكتاني: كان يتهم.
قلت: عاش سبعاً وثمانين سنة.

.سنة أربع وخمسين وثلاثمئة:

فيها بنى الدُّمستق نقفور مدينة الروم وسمّاها قيسارية وقيل قيصرية، وسكنا ليغير كل وقت، وجعل أباه بالقسطنطينية، فبعث إليه أهل طرسوس والمصيصة يخضعون له، ويسألونه أن يقبل منهم القطيعة كل سنة، وينفذ إليهم نائباً له عليهم فأجابهم، ثم علم ضعفهم، وشدّة القحط عليهم، وأن أحداً لا ينجدهم، وأن كل يوم يخرج من طرسوس ثلاثمئة جنازة، فرجع عن الإجابة، وخاف إن تركهم حتى تستقيم أحوالهم، أن يمتنعوا عليه، فأحرق الكتاب على رأس الرسول، فأحترقت لحيته، وقال: إمض، ما عندي إلاّ السيّف، ثم نازل المصيِّصة، فأخذها بالسيف واستباحها، ثم افتتح طرسوس بالأمان، وجعل جامعها اصطبلاً لخيله، وحض البلد وشحنها بالرجال.
وفيها توفي أبو بكر بن الحدّاد، وهو أحمد بن إبراهيم بن أحمد بن عطية البغدادي، بديار مصر، روى عن أحمد بن محمد بن يحيى بن حمزة، وبكر بن سهل الدمياطي، وطبقتهما.
وفيها المتنبي شاعر العصر، أبو الطيب أحمد بن الحسين بن الحسن الجعفي الكوفي، في رمضان، بين شيراز والعراق، وله إحدى وخمسون سنة، قتلته قطاع الطريق، وأخذوا المال الذي معه، وقد مدح عدّة ملوك، وقيل إنه وصل إليه من ابن العميد، ثلاثون ألف دينار. ومن عضد الدولة صاحب شيراز مثلها، وليس في العالم أحد أشعر منه أبداً وأمَّا مثله فقليل.
وفيها الحبر العلامة، أبو حاتم، محمد بن حبّان بن أحمد بن حبّان بن معاذ التَّميمي البستي الحافظ، صاحب التصانيف، سمع أبا خليفة الجمحي وطبقته، بخراسان والشام والعراق ومصر والجزيرة، وكان من أوعية العلم، في الحديث والفقه واللّغة والوعظ وغير ذلك، حتّى الطب والنجوم والكلام، ولي قضاء سمرقند، ثم قضاء نسا وغاب دهراً عن وطنه، ثم ردّ إلى بست. وتوفي في شوال بها، وهو في عشر الثمانين.
وفيها أبو بكر بن مقسم المقرئ، محمد بن الحسن بن يعقوب بن مقسم البغدادي العطّار، وله تسع وثمانون سنة، قرأ على إدريس الحدّاد، وسمع من أبي مسلم الكجَّي وطائفة، وتصدّر للإقراء دهراً، وكان علامة في نحو الكوفيين، سمع من ثعلب أماليه وصنّف عدّة تصانيف وله قراءة معروفة منكرة، خالف فيها الإجماع. وقد وثّقه الخطيب.
وفيها أبو بكر الشافعي، محّمد بن عبد الله بن إبراهيم البغدادي البزّاز المحدّث، في ذي الحجة، وله خمس وتسعون سنة، وهو صاحب الغيلانيات، وابن غيلان آخر من روى عنه تلك الأجزاء، التي هي في السماء علواًّ. روى عن موسى بن سهل الوشّاء، ومحمد بن الجهم السمَّري، ومحمد بن شدّاد المسمعي، وطبقتهم.
قال الخطيب: ثقة. كان ثبتاً حسن التصنيف، جمع أبواباً وشيوخاً قال: ولما منعت الديلم الناس من ذكر فضائل الصحابة، وكتبوا السَّبَّ على أبواب المساجد، كان يتعمّد إملاء أحاديث الفضائل في الجامع رحمه الله.